Ali_ElDaow’s review published on Letterboxd:
La la Land .. جدل الواقع والأحلام
فيلم "La la Land" هو أحدث إبداعات المخرج الشاب "ديميان تشازل" والذي أثار أعجاب الجميع منذ أعوام برائعته Whiplash التي وضعته ضمن مصاف الكبار وجعلت الجميع يراقبه ويراقب أخر مستجداته عن كثب
لاقي فيلم La la Land إحتفاء نقدياً وجماهيرياً كبيراً منذ عرضه الأول مما وضع أسمه ضمن الافلام المرشحة لحصد جوائز هذا العام وعلي رأسها جائزة الأوسكار
في السطور التالية نستعرض أهم الجوانب الفنية للفيلم والتي جعلته منافساً قوياً في سباق هذا العام وجعلت الأنظار تلفت إليه سواء علي المستوي النقدي أو الجماهيري ،،
((النص)) :
امتاز نص الفيلم بالعديد من النقاط المهمة التي تجعل منه منافساً قوياً علي جائزة النص في كلاً من Oscar ، Golden Globe و BAFTA هذا العام:
قبل البدأ بسرد مميزات النص يجرد الإشارة اولاً إلي أن المخرج "ديميان تشازل" هو من قام بكتابة السيناريو وهي نقطة إيجابية للغاية حيث تتيح للمخرج رسم حيثيات الفيلم بشكل أكثر حرية وأقرب إلي رؤيته الفنية وتتيح له تشكيل وتعديل تفاصيل الفيلم وخطوطه بما يتناسب مع نظرته وما يريد أن يوصله للمشاهد .. ولذلك تعد تلك أولي النقاط الإيجابية التي تحسب للفيلم
تبدأ أحداث الفيلم بمشهد زحام مروري كبير علي أحدي الطرق تشكل فيه كل سيارة واقع مستقل بذاته وبموسيقاه الخاصة .. نمر علي كل سيارة علي حدي ونستمع إلي نمطها وذوقها المختلف ح نصل إلي نقطة معينة ينقلب فيها المشهد من جمود حضاري إلي إستعراض غنائي راقص يشارك فيها الركاب جميعاً بغنائهم وأداءهم الاستعراضي وحركاتهم المرحة مع نغمات الموسيقي الراقصة علي طريقة أقرب للأحلام .. وعند نقطة معينة يقف الجميع وقفة ثبات تعلن إنتهاء الاستعراض ويعود الكل إلي سياراتهم ويعود المشهد كما كان، جمود مروري وأزمة حضارية ليخرج علينا بعدها عنوان الفيلم "La La Land" معلناً بداية أحداث الحكاية من قلب هذا المشهد المتأزم ... من هذة النقطة التي لم تستهلك علي الشاشة سوي بعض دقائق أنطلق "ديميان تشازل" شارحاً لنا ما سنكون بصدده خلال المتبقي من عمر شريط الفيلم .. عزيزي المشاهد أنت بصدد فيلم غارق حتي النخاع في الرومانسية، الموسيقي ، الألوان والاستعراض .. حكايتنا هي مباراة ملاكمة ما بين عالم الأحلام وعالم الواقع وبين ما يجول في خيالتنا وبين ما نعيشه يفرض فيها الواقع نفسه علي الجميع ولا ينهزم فيها الخيال لأنه يظل حياً رغم كل شئ
كانت تلك الرسالة هي المحور الأساسي للفيلم والتي سخر لها المخرج مختلف جوانب النص لإبرازها وإيصالها للمشاهد مثل:
الروح الكلاسيكية:
حمل الفيلم الكثير من ملامح وسمات الكلاسيكيات الرومانسية الأمريكية مثل Singin’ in the Rain و West side story في العديد من الجوانب والتي تعبر عن عالم الأحلام والخيال والرومانسية البريئة
بداية من القصة التي بنيت علي الطريقة التقليدية فهي عبارة عن ضوء مسلط علي بطلي الفيلم والعلاقة بينهما دون النظر إلي خلفية كل شخصية ومنشأها -فيما عدا بعض التفاصيل البسيطة- ودون إعطاء اي ثقل لباقي شخصيات الفيلم .. وكأن الوجود قد بدأ منذ اللحظة التي التقي فيها في البطلان "ميا" و"سيبستيان" ويتمحور حولهما
في بداية الفيلم يعطي النص نبذة بسيطة عن كلا البطلين .. "سيبستيان" عازف بيانو يعشق الجاز وحلمه أن يعيد إحياء موسيقي الجاز وإنشاء نادي يهتم بعزف هذة اللون الكلاسيكي من الموسيقي .. "ميا" فتاة تهوي التمثيل والكتابة ولديها حلم بأن تكون من نجمات هوليوود ... الشخصيات تقليدية البناء أحادية الجانب كما في الكلاسيكيات تتمحور حياتها حول هدف واحد ورحلتها في الحياة عبارة عن سعي لتحقيق هذا الهدف بعيد أن أي تفاصيل جانبية أو محاولة لإبراز جوانب مختلفة داخل الشخصية وحياتها عبارة عن إستقطاب بين هدفها وما دونه فهي تستبدل الهدف بهدف أخر ولا سعة عندها لتعدد الأهداف
أختيار الجاز والتمثيل تحديداً عزز الروح الكلاسيكية للفيلم حيث أن الأثنين من ألوان الفنون التي مثلت مصدر إلهام لأبطال الكلاسيكيات الرومانسية كما تحمل نوعاً السحر والعاطفية تتناسب مع أحداث الفيلم المغرقة في الرومانسية
كذلك جاءت الطريقة الاستعراضية الغنائية التي صيغ بها الفيلم كتأكيد علي روحه الكلاسيكية وتعزيز للجانب الرومانسي بالقصة .. فالفيلم منذ المشهد الأول وحتي النهاية ملئ بالاستعراضات الغنائية التي تدور حول أمال وأحلام أبطاله وما يطمحون إليه بعيد عن ظروف الواقع والتي تشابه تلك التي أمتلئ بها تراث السينما الرومانسية
ما بين الرومانسية والواقعية:
في أحد مشاهد الفيلم يجتمع البطلان داخل دار سينما ويبدأن في مداعبة بعضهما البعض حتي يصل المشهد لذروته ونصل إلي مرحلة القبلة فنفاجئ بأن أنوار السينما قد أضيئت وتوقف العرض علي الشاشة بسبب عطل فني مما يفسد اللحظة الرومانسية بين البطلين ... هذا المشهد هو تعبير مصغر عن الأسلوب الذي أتبعه السيناريو طوال أحداث الفيلم .. في ظل الصراع ما بين الخيال والواقع يغرق الفيلم لفترة في الرومانسية والمثالية لكنه سرعان ما يرتد ويعود مرة ثانية لأرض الواقع ... تأرجح الفيلم ما بين الأمال والخيالات والرغبة في النجاح وبين خيبات الأمل والواقع المرير والفشل وتبادلت الأحلام والواقع قيادة المشهد أكثر من مرة خلال أحداث الفيلم ... الا أنه وعند صياغة النهاية اراد المؤلف أن يرضي جميع الأطراف ويطرح رؤيته الخاصة في نفس الوقت .. فالنهاية مزجت ما بين المثالية والخيال والواقعية التي تصل إلي حد المأساة بشكل جعل الفيلم يحمل ما يشبه النهايتين وليبعث رسالة مفاداها أن الأحلام والواقع سيظلان لصيقان وفي حالة صراع إلي الابد دون أن يقضي أحدهما علي الأخر
النجاح والتضحية:
يتشابه الفيلم مع سابقه "Whiplash" في فكرة رحلة النجاح والرغبة في تحقيق الهدف وما يتطلبه ذلك من تضحيات .. في Whiplash طرحت الفكرة بشكل مأساوي وأكثر عنفاً حيث كانت أشبه بالصراع الدامي بين عازف ال Drums الذي يرغب بتحقيق حلمه وبين الواقع محيط بيه الذي يعيقه عن الوصول وعلي رأسه معلمه ثم صديقته التي يضحي بعلاقته بها في مقابل حلمه
في La la Land تتكررت نفس الفكرة لكن بشكل أكثر عاطفية حيث يسعي كلاً من بطلي الفيلم لتحقيق حلمه الخاص مع رغبة جامحة في الحفاظ علي رابطته مع الأخر .. لكن عند نقطة معينة يقع الأثنان في فخ الاختيار ما بين علاقتهما وسبيلهما نحو النجاح وتأتي لحظة الإمتحان الصعب ... في الفكرة تأكيد علي الصراع ما بين الخيال والواقع وان الواقع في لحظات معينة يضعنا في مواقف غير رومانسية بالمرة تتطلب تضحيات كبيرة
...
((الصورة والإخراج)) :
لم يتوقف تميز فيلم La la Land عند حدود النص بل دعم النص صورة قوية ومبهرة وإخراج محترف يجعل الفيلم مرشح وبقوة لحصد جوائز الصورة والإخراج لهذا العام .. حيث أستطاع الشاب "ديميان تشازل" دعم رؤيته الفنية بصورة ثرية ومؤثرة جذبت إنتباه المشاهد وأعطته متعة بصرية كبيرة وذلك عبر الأتي:
حركة الكاميرا:
أتت حركة الكاميرا داعم كبير للروح الاستعراضية للفيلم ... فقد تميزت بإنسيابية عاليه وسرعة تنقل ما بين اللقطات القريبة واللقطات البعيد خصوصاً أثناء الاستعراضات الغنائية .. كما كان للقطات القريبة "Close-up" دور كبير في رصد مشاعر أبطال الفيلم وتطور العلاقة فيما بينهم عبر التركيز علي حركة الأطراف وتعبيرات الوجهة وتغيرها
الإضاءة:
إستخدم المخرج الإضاءة بشكل غاية في الإحترافية عبر الإنتقال من الإضاءة العالية إلي الإظلام التام والعكس وتسليط الضوء علي أبطال الفيلم أثناء لحظاتهم الأكثر ملحمية .. مشاهد عزف "ريان جوسلينج" علي البيانو وتجربة الأداء الأخيرة ل"إيما ستون" خير مثال علي المتعة البصرية التي صنعها التحكم بالإضاءة وإستخدام الظلام والضوء المركز علي الشخصية الرئيسية ... كذلك أستخدم المخرج الإضاءة في التعبير عن حالة الأبطال وعلاقتهم .. في المشاهد التي تمر فيها العلاقة بلحظات عصيبة نري سيطرة الظلام علي المشهد وفي مشاهد الرومانسية العالية نري ضوء النهار يغطي علي المشهد أو ضوء النجوم ولون السماء الداكن الزاهي وإضاءة المصابيح الخافته
الجرافيك والألوان:
وهما من أقوي العوامل التي ساعدت في نجاح الفيلم وإبراز معانيه .. لو راقبنا تطور ألوان ملابس ميا "إيما ستون" طوال الفيلم فسنلاحظ الأتي .. في بداية الفيلم ومع بداية علاقتها العاطفية اتسمت ملابسها بألوانها الزاهية والفاتحة مثل الأزرق والأبيض ثم ومع توتر العلاقة تحولت إلي الألوان الداكنة .. تعبر عن الألوان عن الحالة التي يمر بها أبطال العمل ولذلك سنلاحظ أن أغلب إستعراضات الفيلم كانت مليئة بالألوان الزاهية لما في ذلك من تعبير عن الحالة الرومانسية والخيالية التي تغوص فيها الأحداث .... الجرافيك كان مساعد اساسياً في تصميم الاستعراضات واللحظات الخيالية والذي علي الرغم من قلة جودته في بعض المشاهد الا انه ادي دروه ببراعه وجسد عالم أحلام شخصيات الفيلم
التحكم في حركة الممثلين:
من النقاط المهمة في صناعة الأفلام الاستعراضية التحكم في حركة الممثلين خصوصاً في المشاهد الراقصة وذلك لأن اي خطأ قد يفسد الامر كله .. نجح المخرج في ضبط إيقاع حركة الممثلين بشكل جيد بحيث جعلها متناسقة ومتكاملة خصوصاً في المشاهد التي أعتمدت علي عدد قليل من العناصر البشرية
الموسيقي والغناء:
كانت الموسيقي والأغاني أحد الأعمدة الأساسية التي قام عليها الفيلم وأحد الوسائل التي ساهمت في إبراز مضمون الفيلم وحالة الأبطال وتطور العلاقة فيما بينهم خير مثال علي ذلك أغنية City stars التي أداها البطلان سوياً وهما في ذورة العلاقة الرومانسية وكذلك باقي الاستعراضات الغنائية في الفيلم .. تنوعت الموسيقي والأغاني ما بين العزف المنفرد والعزف الجماعي وأغاني البوب والجاز
...
((التمثيل)) :
جاء الأداء التمثيلي علي قدر عال من الجودة والإتقان حيث أستطاع الممثلان "إيما ستون" و "ريان جوسلينج" تأدية أدوارهما ببراعة شديدة وإتقان بالغ يؤهلهما للمنافسة وبقوة علي جوائز هذا العام:
"إيما ستون" :
أدت إيما ستون دورها في الفيلم بإتقان كبير باذلة قدر كبير من المجهود بدون مبالغة في الأداء أو إصطناع وبتعبير صادق .. يبرز ذلك في لحظات ال Close-up التي ركزت فيها الكاميرا علي وجه إيما مثل مشاهد الأداء التمثيلي والمشهد الأخير من الفيلم .. تعبيرات وجهها في لحظات الحزن والإندهاش والتأثر كانت غاية في الصدق حيث كل تفصيلة في وجهها أدت دورها ببراعة .. كذلك برعت في المشاهد الثنائية مع ريان جوسلينج وفي المشاهد الكوميدية حيث تميز اداءها بالسلاسة وعدم التكلف
"ريان جوسلينج" :
تألق ريان في أداء دوره ويرجع ذلك إلي إستيعابه الواضح لحيثيات الدور وملامح الشخصية التي يؤديها .. حيث أتقن ريان اداء دور الشاب المولع بالجاز ذو النزعة التقليدية والذي يواجهه العديد من المصاعب في سبيل تحقيق حلمه في تأسيس نادي يعزف فيه الجاز بشكل حر .. فنجد ريان في حركاته وأداءاته الراقصة وفي هيئته قد أكتسي بحلة كلاسيكية تتناسب مع حيثيات شخصيته .. برز ذلك وبقوة في عزفه الأول علي البيانو في أحدي المطاعم حيث أظلم المشهد وتم تسليط الضوء علي ريان ووحده وهو يعزف علي البيانو بكل بإندماج وإنفعال ومحركاً كل عضلة في جسده بطريقة أشبه بعازف بيانو من القرن الثامن عشر لكي يجسد لنا بأداءه الصادق حالة الشاب الذي يطوق إلي العظمة فيعزف علي البيانو كموسيقار كبير ويحمل بداخله روح تقليدية جعلته أشبه بعازف من العصور القديمة